بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
صدق الله العلي العظيم
معالي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجيَّة والتعاون الدوليِّ لدولة الإمارات العربيَّة المتحدة الشقيقة
معالي السيِّد سيرغي لافروف وزير خارجيَّة روسيا الاتحاديَّة المحترم
معالي السيِّد خميس الجهيناويّ وزير خارجيَّة الجمهوريَّة التونسيَّة رئيس مجلس الجامعة العربيَّة على المُستوى الوزاريِّ المحترم
معالي السيد أحمد أبو الغيط الأمين العامّ لجامعة الدول العربيَّة المحترم
أصحاب المعالي والسعادة المحترمون
السيِّدات والسادة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يسرني في البدء أن أتقدَّم بجزيل الشكر والامتنان لدولة الإمارات العربيَّة المتحدة الشقيقة حكومةً وشعباً على حُسن الاستقبال، وكرم الضيافة، مُتمنياً لهذه الدورة النجاح، وتحقيق الأهداف المرجوَّة منها في تعزيز مسيرة التعاون بين الدول العربيَّة وروسيا الاتحاديَّة الصديقة.
الحضور الكريم..
لابُدَّ من القول بدايةً: إنَّ العلاقات العربيَّة-الروسيَّة ليست وليدة اليوم، وإنَّما هي نتاج تراكمات سنين من التعاون السياسيِّ، والاقتصاديِّ، والمعرفيِّ، والمصالح المُتبادَلة لمُواجَهة التحدِّيات المُشترَكة خلال الأزمات الغابرة، وعلى الرغم من بعض الأزمات التي اعترت مسيرة العلاقات العربيَّة-الروسيَّة في بعض مفاصلها إلا أنَّ هذه العلاقات صمدت، وتنامت؛ نتيجة لرغبة الجانبين وإرادتهما في الحفاظ على علاقات الصداقة العربيَّة-الروسيَّة العميقة الجذور.
لقد تُوِّجت العلاقات العربيَّة–الروسيَّة بتوقيع الجانبين مُذكَّرة تعاون في القاهرة بتاريخ 21/كانون الأول/ 2009، لإقامة منتدى التعاون العربيّ-الروسيّ إدراكاً من الطرفين أهمِّيةَ تعميق الحوار، والتعاون في المجالات السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والتجاريَّة، فضلاً عن التعاون العلميِّ، والثقافيّ.
إنَّ مسيرة العلاقات الدبلوماسيَّة العراقيَّة–الروسيَّة تمتدُّ لسبعين عاماً، إذ انطلقت في عام 1944 من إدراك الجانبين أهمِّيةَ الصداقة بين بلدينا، والرغبة الصادقة في إدامة هذه العلاقات القائمة على الاحترام المُتبادَل، والمصالح المُشترَكة.
لذا فإننا، ومن هذا المنبر نعتزُّ بعلاقاتنا مع روسيا الاتحاديَّة، وبتقارب وجهات النظر بيننا بشأن القضايا، والتحدِّيات الراهنة في منطقتنا، وندعو إلى مزيد من التعاون؛ لما فيه خدمة شعبينا الصديقين، وأودُّ هنا الإشادة بالانسجام بين مواقف الدول العربيَّة المُنتِجة للنفط، والموقف الروسيِّ الذي انتهى إلى اتفاق خفض إنتاج النفط؛ الأمر الذي أدَّى إلى إنعاش سعر النفط في أسواق الطاقة العالميَّة؛ ممَّا قاد إلى نتائج إيجابيَّة نسبيّاً لاقتصادات البلدان المُنتِجة للنفط العربيَّة، وروسيا الاتحاديَّة.
إنَّ روسيا الاتحاديَّة بمكانتها الدوليَّة المعروفة، وتصدِّيها للعديد من التحدِّيات الراهنة ذات الطبيعة الإقليميَّة، والدوليَّة، وعلى رأسها خطر الإرهاب المُتطرِّف التكفيريِّ يجب أن تكون شريكاً أساسياً لنا في مُواجَهة هذا الخطر الكبير؛ لعزله، وتطويقه، والقضاء عليه؛ لما فيه مصلحة الطرفين، وإننا في العراق نثمِّن المواقف الروسيَّة الواضحة في تشخيص هذا التحدِّي ومُواجَهته؛ لأننا عانينا كثيراً منه، ومازلنا، ونتوقع أن تتضافر جُهُودنا مع روسيا الاتحاديَّة من أجل العمل، وبشكل حثيث على مُواجَهة هذا التحدِّي، والنهوض بكلِّ أعبائه.
أصحاب المعالي والسعادة المحترمون..
يتزامن انعقاد هذا المُنتدى مع استمرار تداعيات التحدِّيات الكبيرة التي يُواجهها العالم خُصُوصاً منطقة الشرق الأوسط، والتي من أهمها خطر الفكر الإرهابيِّ المُتطرِّف التكفيريِّ الذي يُهدِّد العالم كله، وعدم الاستقرار في كلٍّ من سوريا، وليبيا، واليمن، وتصاعد وتيرة العنف، والاستنزاف الكبير للموارد البشريَّة، والماليَّة الناجمة عن العمليَّات الأمنيَّة، والعسكريَّة التي يخوضها العالم خصوصاً أبناء شعبنا العراقيِّ ضدَّ تنظيم داعش الإرهابيِّ، وإيواء المهاجرين والنازحين المُتضرِّرين من الوُجُود الداعشيِّ الإرهابيّ، كما يتزامن مع الأزمة الاقتصاديَّة الناجمة عن تراجع النموِّ الاقتصاديِّ العالميِّ، وتذبذب أسعار النفط في الأسواق العالميَّة؛ ومن ثم ازدياد مُعدَّلات البطالة، والفقر، والجريمة.
ونأمل أن يأخذ المنتدى بعين الاعتبار أنَّ الحرب التي يخوضها العراق ضدَّ الإرهاب هي حرب يخوضها نيابة عن العالم أجمع، ودفاعاً عن القيم الإنسانيَّة، ولكم أن تتخيَّلوا ماذا كان مصير منطقتنا والعالم بأسره لو لم يتصدَّ العراقيُّون لهذا الخطر بهذه الهمَّة، وهذه الروحيَّة التي جنَّبت المنطقة والعالم أهوالاً كبيرة، وفي المقابل نتطلع إلى دعم دول المُنتدى للعراق في حربه هذه ضدَّ تنظيم داعش الإرهابيِّ، ومساعدته في إغاثة النازحين، وإعادة إعمار المُدُن المُحرَّرة من سيطرة هذه العصابات الإجراميَّة، وتأهيلها تمهيداً لعودة أهاليها إلى مساكنهم، وتمكينهم من مُمارَسة حياتهم الطبيعيَّة، وتوفير المستشفيات لمرضاهم، والمدارس لأولادهم، وبقيَّة الخدمات.
ولابُدَّ لنا في هذا المُنتدى الكريم من استذكار الجُهُود، والتضحيات العظيمة التي تسطِّرها قواتنا المسلحة بتشكيلاتها كافة من جيش، وجهاز مكافحة الإرهاب، وشرطة اتحاديَّة، وحشد شعبيّ، وبيشمركة، وأبناء العشائر في الدفاع عن حرمة الوطن، وكرامة المُواطِن في مكافحة الإرهاب البربريِّ الداعشيِّ، والتقدير العالي لما حقـَّقوه من إنجازات عظيمة في تحرير المناطق المُغتصَبة، وفكِّ أسر أهلها من التنظيم الإرهابيِّ، وعودتهم إلى أحضان الوطن، وحكومتهم المُنتخَبة.
إخوتي الأعزاء..
تدركون جيِّداً أنَّ ما يحصل في العراق، وكذلك في بعض المناطق العربيَّة الأخرى يتفاعل مع الأزمات في الساحة الدوليَّة، وأعتقد أنَّ العالم بدأ يحسُّ؛ لذا نستعين بالآية القرآنيَّة الكريمة..
بسم الله الرحمن الرحيم: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم)..
القرآن الكريم يُخاطِب الإنسان، ويُخاطِب الإنسانية؛ حتى لا يخلق أزمات، وما أحوجنا اليوم لجمع الأسرة الدوليَّة كلها تحت غطاء الإنسانية، وفي الوقت نفسه ((ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)) هذا الثنائيّ لا رجل من دون أنثى، ولا امرأة من دون رجل إلا باستثناء عيسى -ع- فهو جاء من امرأة، وليس من رجل وامرأة؛ إذن الثنائيَّة في الآية القرآنيَّة الكريمة جعل إلهيّ، وليس جعلاً بشريّاً، والآية (لتعارفوا)، وليس (لتقاتلوا)، وليس (لتناحروا)، وليس (تربُّصوا)، وجعل ((إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم)) نفع للناس، والحفاظ على أعراضهم، ودمائهم، وأموالهم، وسيادتهم.
هذا هو القرآن الكريم إنه كتاب الإنسان ((أكرمكم عند الله أتقاكم)) أكثركم نفعاً؛ لذلك نحن ننفتح على كلِّ أمم العالم من هذا المنطلق، ومن منطلق قول رسول الله -ص-: ((اطلبوا العلم ولو في الصين)) اعتزازاً بالعلم والمعرفة، ومنذ وقت مُبكِّر.
أيُّها الإخوة..
لابُدَّ لحاضرنا أن يقوى، ولا ينفصل عن تاريخنا.. التاريخ والحاضر والمستقبل حلقات مترابطة.. حان لهذه الاجتماعات، ومن هذا الموقع الوزاريِّ، وأعلى من الوزاريِّ أن لا يختنق من هذه النظريات المعرفية، ولا يخجل من قراءة التاريخ، ولا يتردَّد في صناعة حاضره، ولا يقفز عندما يتطلع إلى المستقبل.. لابُدَّ أن تخرج هذه الاجتماعات من التراتبيَّات الروتينيَّة، وتُسمِّي الأشياء بأسمائها.
تسود العالم اليوم ثقافة القوة، والقتل، والعنف.. البعض بدأ يُبشِّر أن من لديه القوة يبتلع الدول الأخرى.. ولو كان العنف، ولو كانت القوة مقياساً لأصبح معشر الثيران أقوى من معشر البشر.. هل العالم عالم قوة؟
ما هذه الثقافة؟
العالم يجب أن يكون عالم قِيَم، عالم حضارة، عالم تعاطف فيما بيننا.. عندنا هكذا تاريخ، وعندنا هكذا حاضر، وعندنا هكذا أهداف إنسانيَّة، وشُعُوبنا في المنطقة تعاني مُعاناة رُبَّما -لا سامح الله- تُقدِم على فصول ساخنة من الآن.
من الآن يجب أن نقف إلى جانبها، ونتناسى كلَّ شيء.. أنا أكبر بكلِّ كلمة، وبكلِّ جملة، وبكلِّ مُتحدِّث يُساهِم في لثم جراح هذه المنطقة، وعالمنا، وأكبر به، وأعتقد أنه حان الوقت لئلا ننشغل، ولا نستهدف بثقافة الجزئيَّات علينا أن نعمل على ثقافة بناء الحضارة، وبناء الشعوب، وصدق رسول الله -ص- عندما ميَّز، وقال: ((خير الناس من نفع الناس))، وليس مَن قتل الناس، ومن آذى الناس، ومن شتَّت الناس؛ لذا نحن أكثر من كلِّ دول العالم ندفع بمسيرة البشريَّة إلى شواطئ السلم، والثقة، والمحبّة بغضِّ النظر عن كلِّ الاعتبارات..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.