نص الكلمة التي ألقاها السيد وزير الخارجية في القمة العربية التنموية الإقتصادية والإجتماعية ببيروت

فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الشقيقة..
معالي أمين عامّ الجامعة العربيّة..
أصحاب الفخامة، والسيادة، والسُمُوّ، والمعالي..
الحُضُور الكريم..
السلام عليكم جميعاً
يُسعدنا أن نكون في بيروت التي كانت، وستبقى على مرِّ الزمان المدينة العربيَّة التي تحتضن الجميع، وتتباهى بجمالها، وألقها.. وتحيَّة من بغداد إلى أهلها، والأشقاء العرب جميعاً.

السيِّدات، والسادة الحُضُور
إنَّ العراق اليوم أصبح نقطة التقاء لا افتراق، وأبوابه مُشرَعة للتعاون، والتكامل العربيِّ بجميع صُوَره، وسيُؤدِّي دوراً محوريّاً في دعم الأمن، والاستقرار في المنطقة، وفي بناء منظومة علاقات عربيَّة مُشترَكة قائمة على تبادل المصالح بعيداً عن المحاور، وأن يكون تطوير الاقتصاد هو الهمَّ الأوَّل، والهدف الأسمى.
إنَّ سياسة العراق مُنصبَّة على الانفتاح الاقتصاديِّ، ومدِّ يد الصداقة، والتعاون لجميع الدول الشقيقة، والصديقة، وبناء شبكة علاقات اقتصاديَّة واسعة، وجذب الاستثمارات الأجنبيَّة، فقد آن لشُعُوبنا أن تعيش بخيراتها، وتتنعَّم بثرواتها الاقتصاديَّة، وآن للجُيُوش، والمجهود العسكريِّ، والطاقات البشريَّة أن تتحوَّل إلى عامل مُساعِد في حملات البناء والإعمار. ونحن ماضون نحو تحقيق أهدافنا بالنُمُوِّ الاقتصاديِّ، والعمرانيِّ، وتوفير خدمات تليق بمُواطِنينا الذين عانوا طويلاً من تعطـُّل فرص النُمُوِّ؛ نتيجة الحُرُوب، والإهمال.
لقد دفع الشعب العراقيُّ ثمناً غالياً؛ نتيجة الحُرُوب، والسياسات الخاطئة التي بدَّدت ثروات البلاد، ثم أكملت هذا التخريب عصابات الإرهاب بمُختلِف مُسمَّياتها وُصُولاً إلى داعش.
ومن هذه المنطلقات وضعنا برنامجاً حكوميّاً طموحاً بتوقيتات زمنيَّة مُعلَنة يشمل تطوير جميع قطاعات العمل، والإنتاج، وتعظيم الموارد، وتحسين الخدمات، ومكافحة الفساد، وصادَقَ عليه مجلس النواب، وانطلقنا به على بركة الله بشكل مدروس وحسب الأولويَّات، ونتطلـَّع لأن يقطف الشعب العراقيُّ ثمار صبره، وتضحياته، والدماء الغالية التي قدَّمها على طريق الدفاع عن الوطن، والتصدِّي للإرهاب.
إنَّ أمامنا جميعاً الكثير من العمل لتهيئة أرضيَّة مُشجِّعة للاستثمار، وتبسيط الإجراءات، ومُحارَبة البيروقراطيَّة، والانتقال بعيداً عن الدولة الريعيَّة، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطنيِّ، وتنويع مصادر الدخل، والتوجُّه نحو القطاع الخاصِّ، والقطاعات الحقيقـيَّة المُنتِجة.
إنَّ أهمَّ رسالة نبعثها عِبْرَ مُؤتمَرنا هذا، هي: عزمنا على توجُّه دولنا، وحكوماتنا نحو التنمية المُستدامة، وتحقيق الازدهار، والاستقرار، وطيِّ صفحات الاختلافات، والمُنازَعات. ففرص الحياة لدينا واسعة، وثروات هذه الأمة، وإمكاناتها هائلة، لكنَّ الواقع مُؤلِم، وشُعُوبنا تُعاني من الفقر، والأُمِّيَّة، والبطالة، ومُثقـَلة بالدُيُون، والأزمات.
ندعو إلى التكامل الاقتصاديِّ، وتأسيس مناطق اقتصاديَّة مُشترَكة كبرى، وتحويل الحُدُود بين دولنا إلى مناطق استثمار، وورش عمل تنفع الجميع، ولابُدَّ من العمل على إيجاد آليَّات فاعلة، وقابلة للتطبيق في مجال التعاون الاقتصاديِّ بتشجيع الاستثمار المُشترَك للمشاريع المُدِرَّة للدخل؛ للقضاء على البطالة.

السيِّدات، والسادة..
مازالت دولنا تواجه تحدِّيات كبيرة تمسُّ الأمن، والسيادة؛ بسبب التطوُّرات المُتلاحِقة، والمتمثلة بتسارع وتيرة الإرهاب، وما تبعه من موجات نُزُوح، ولُجُوء، وازدياد نِسَب البطالة بين أوساط الشباب، وتردِّي الخدمات الأساسيَّة على المُستوى الاجتماعيِّ، والصحِّيِّ، والاقتصاديِّ، فضلاً عن مُشكِلات الأمن الغذائيِّ، والتغيُّر المُناخِيّ.
إنَّ توفير منطلقات الأمن الغذائيِّ لبلداننا العربيَّة يُعَدُّ ركيزة أساسيَّة في تعزيز العمل العربيِّ المُشترَك بما يخدم المُواطِن العربيِّ، ويرتقي بمُستوى معيشته من خلال تكريس سياسات أمنيَّة غذائيَّة، والالتزام بتنفيذ البرامج، والاتفاقات؛ ومن هذا المنطلق نرى أن تُركـِّز القمَّة العربيَّة التنمويَّة على اعتماد آليَّات، وسياسات مُلائِمة؛ للوُصُول إلى عالم عربيّ خالٍ من الفقر، والجوع، والأمراض تتوافر فيه كلُّ مُقوِّمات الحياة الكريمة، ومُستوى لائق يُؤهِّله لمُواكَبة مُستجدِّات العصر.
وإيماناً منا بمحوريَّة الطاقة المُستدامة في تحقيق التنمية المُستدامة، وتمكين المُجتمَعات العربيَّة من التمتع بطاقة مُناسِبة اقتصاديّاً، فإنَّ علينا أن نعي كيفيَّة الحفاظ على مواردنا الطبيعيَّة، وتنميتها. وهنا يأتي الدور المحوريّ لجامعة الدول العربيَّة، ومُؤسَّساتها المُتخصِّصة.
وفي نفس السياق، وتأكيداً على التزامنا بتحقيق أهداف التنمية المُستدامة 2030 لابُدَّ من دعم جُهُود الدول العربيَّة في تنفيذ المشروعات التكامليَّة، وإرساء إطار تشريعيّ مُؤسَّسيٍّ لسوق عربيٍّ مُتكامِل للكهرباء؛ إدراكاً منا لأهمِّيَّة الدور الحيويِّ لقطاع الكهرباء في عمليَّة التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والذي من شأنه توفير مزايا اقتصاديَّة واجتماعيَّة تُساهِم في تحريك الاقتصاد، وتوفير فرص عمل للشباب، وتخفيض نسبة البطالة بين هذه الشريحة.
السيِّدات، والسادة الكرام..
ممَّا لاشكَّ فيه أنَّ نُهُوض أيِّ أمّة، وتنميتها يرتبط ارتباطاً عضويّاً بالحُرِّية، وبالثقافة التي لابُدَّ من رعايتها، وإرساء دعائمها في المُجتمَع المدنيِّ العصريّ؛ من هنا يأتي دور السياحة في التعريف بالتراث الثقافيِّ المعرفيِّ العربيِّ، والاهتمام بمواقع التاريخ، والتراث، والحضارة العربيَّة التي تتميَّز بكونها فريدة على المُستوى العالميِّ، كما يأتي دور حكوماتنا في المحافظة على تراثنا الثقافيِّ أمام المخاطر التي تهدِّده، وما ينجم عنها من تغيير في التركيبة الاجتماعيَّة، وتأثيرها بشكل أساسيٍّ على لغتنا العربيَّة التي تُعَدُّ الحاضن لهويتنا الثقافيَّة؛ لذا نجد من الضروريِّ تبنـِّي برامج، وسياسات للترويج لأيِّ مُنتَج يحمل طابعاً ثقافيّاً يُؤكـِّد على هويتنا، وثقافتنا العربيَّة.
ومن هذا المنبر ندعم الجمهوريَّة التونسيَّة في استضافة الاجتماع المُشترَك القادم لوزراء السياحة، ووزراء الثقافة في عام 2019 لمُتابَعة تنفيذ مُبادَرة (التكامل بين السياحة والتراث الحضاريّ والثقافيّ في الدول العربيَّة).
السيِّدات، والسادة الحُضُور..
لقد شهدت منطقتنا العربيَّة ظروفاً أنتجت مُجتمَعات غير مُستقِرَّة، وغير آمنة، وتحوُّلات خطيرة ألقت بظلالها على آلاف الأسر المُهجَّرة، والنازحة قسريّاً؛ بسبب أعمال العنف، والإرهاب التي خلـَّفت آلافاً من الأرامل، واليتامى، والمُعاقين. هذا المشهد المُؤلِم، والمُؤسِف نتج عنه تفكُّك أسريّ، وانعدام في التماسُك الاجتماعيّ؛ من هنا تأتي مسؤوليتنا كدول، وحكومات لصياغة سياسات، وتبنـِّي آليَّات لدعم إدراج احتياجات الأسرة العربيَّة ضمن أولويَّات التنمية المُستدامة، وضرورة مُتابَعة تنفيذ وثيقة منهاج العمل للأسرة في المنطقة العربيَّة بالتعاون مع المنظمات الإقليميَّة والمنظمات الدوليَّة ذات العلاقة، فضلاً عن حماية النساء، والأطفال في أثناء النزاعات المُسلـَّحة، وضرورة إدماج المرأة في مسيرة التنمية، وتمكينها اقتصاديّاً في المُجتمَعات المحليَّة.
ولا يخفى على أحد تأثير النزاعات، والحُرُوب في ظاهرة عمل الأطفال، والذين كانوا عرضة بشكل مُباشِر لأزمات التهجير القسريِّ، والنُزُوح، أو أولئك الذين تمَّ تجنيدهم، أو استخدامهم من جانب الجماعات المُسلـَّحة للانخراط في أنشطة لها علاقة بالنزاعات؛ وهذا يتطلـَّب منا عملاً جماعيّاً تشاركيّاً لحماية هذه الشرائح، وتمكين أكبر قدر منها من الاندماج في مُجتمَعاتهم المحليَّة.
وأخيراً.. أتوجَّه إلى رئاسة القمَّة، والسادة المسؤولين بضرورة أن تُركـِّز هذه القمَّة على اتخاذ قرارات مصيريَّة، وتتبنـَّى خطة عمل واضحة، وذات أهداف مُحدَّدة وضمن إطار زمنيّ مُحدَّد؛ لمُواجَهة التحدِّيات التي تعصف بمنطقتنا العربيَّة، وتضع نُصْبَ عينها الارتقاء بالمُواطِن العربيِّ الذي هو أساس التنمية، وركيزتها، وأداتها في نفس الوقت، ومعالجة كلِّ التهديدات التي تعيق تقدُّمه، ومواكبته لمُستجدِّات العصر وُصُولاً إلى مُجتمَعات خالية من العنف، والفقر، والمرض، ومبنيَّة على أسس العدالة، وتكافؤ الفرص.
ونتطلع معكم لعهد جديد نُرسي به أسس الأمن، والاستقرار الدائمين؛ لتتحوَّل به منطقتنا العربيَّة من ساحة اقتتال إلى منطقة تنافس اقتصاديّ، ونقطة جذب لرُؤُوس الأموال، والاستثمارات، وتحقيق الازدهار، والرخاء الاقتصاديِّ الذي طال انتظاره...
ومن الله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



لقراءة النص الكامل وزارة الخارجية العراقية، اضغط هنا.